ختان الإناث فريضة

ختان الإناث فريضة !

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله :
وبعد . .
فإن مما يفرق بين المؤمن وغير المؤمن " مصادر التلقي " عند كليهما فالمؤمن يتلقى منهاج حياته مما شرعه له ربه وخالقه ومعبوده ألا له الخلق والأمر الذي هو أعلم بما يصلح عباده ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .
آمن به المؤمن , وفوض إليه أمره , واحتكم إليه في كل صغيرة وكبيرة في حياته , ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضى الله ورسوله , وسلم تسليماً , لا يعرف مألوهًا سوى الله , قد وجه وجهه لله فاستراح قلبه , واطمأنت نفسه , وانشرح صدره فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام .
أما الآخر : فمصادر التلقي عنده كثيرة متشعبة , طينية سفلية , لا تقف عند حد , فتارة يقوده هواه , وأخرى تقوده شهوته , ومرة توجهه العادات والتقاليد وأخرى تحركه " العصرنة !" أو التقدم أو العولمة . . وهلم جرا من المفاهيم المعكوسة , والشعارات المنكوسة , تصب في قلبه كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ! يلهث , لا يهتدي سبيلاً بل يتخبط في جهالاته , ويجنح إلى خزعبلاته , فإذا تكلم فيا لله من مقالات تقشعر منها الجلود , ويتصدع من سماعها كل جلمود . ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق .
* * *
وقضية " ختان الإناث " مردها إلى الله , والحكم فيها للملك الحكم الحق ( إن الحكم إلا لله), ( ولا يشرك في حكمه أحداً) , وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله .
والله أسأل أن يهدى الأمة جميعاً إلى العمل بالنبع الصافي " القرآن والسنة " بفهم السلف الصالح , وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم .

تعريف الختان
أ - في اللغة : جاء في القاموس [ 2/16 ] :
الختن هو القطع .
ختن الولد يختِنُه أو يختُنُه فهو ختين .
ومختون أي قطع غرلته .
وفي الوجيز (186) :
ختن الصبي ختنا ًوختاناً : قطع قلفته فهو خاتن ومختون وختين .
والختان : قطع القلفة أو موضع قطعها .
وفي لسان العرب (13/137) :
الختان موضع الختن من الذكر , وموضع القطع من نواة الجارية . أ هـ
ويقال لقطعهما : الإعذار والخفض .
وقيل : الختن للرجال والخفض للنساء .
ب - في الشرع :
هو قطع مخصوص من عضو مخصوص .
قال ابن عثيمين – رحمه الله تعالى- :
" هو بالنسبة للذكر قطع الجلدة التي تغطى الحشفة, وبالنسبة للأنثى قطع لحمة زائدة فوق محل الإيلاج تشبه عرف الديك " أ . هـ الشرح الممتع (1/134) .
قال النووي :
" الواجب في الرجل أن يقطع جميع الجلدة التي تغطى الحشفة حتى تنكشف جميع الحشفة , وفي المرأة يجب قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعـلى الفـرج " أ . هـ المجموع (1 / 302).

أولا : الأدلة من القرآن الكريم
الدليل الأول
قال تعالى : ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا [ النحل 123 ]
مع قوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [ البقرة 124 ]
قال ابن كثير رحمه الله تعالى [ 1/67 ] :
قال ابن عباس – رضى الله عنهما - : " ابتلاه بالطهارة ؛ خمس في الرأس وخمس في الجسد :
في الرأس : قص الشارب , والمضمضة , والاستنشاق , والسواك , وفرق الرأس .
وفي الجسد : تقليم الأظافر , وحلق العانة , والختان , ونتف الإبط , وغسل أثر الغائط والبول بالماء ( ) أ . هـ صحيح .
وقد ثبت في الصحيحين (صحيح البخاري ومسلم اللذين هما أصح الكتب المصنفة على الإطلاق ) عن أبى هريرة قال : قال رسول الله " اختتن إبراهيم - - وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم " ( ) .
قال يحيى : القدوم الفأس .
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى - :
والصحيح أن القدوم الآلة , لما رواه البيهقي عن موسى بن على عن أبيه " أن إبراهيم خليل الرحمن أمر أن يختتن وهو ابن ثمانين سنة , فعجل فاختتن بقدوم , فاشتد عليه الوجع فدعا ربه , فأوحى الله إليه أنك عجلت قبل أن نأمرك بالآلة . قال : يا رب كرهت أن أؤخر أمرك ! " ( ) .
فانظر ! كيف أنه لما أمر الله خليله, وعلم أن أمره المطاع, ولا يجوز أن يعطل ويضاع, بادر إلى امتثال ما أمر به الحي القيوم , وختن نفسه بالقدوم , مبادرة إلى الامتثال , وطاعة لذي العزة والجلال . فاعتبروا يا أولى الأبصار .
وجه الدلالـة
إذا ثبت أن الخليل قد أُمر بالختان , والأمر للوجوب , فالختان إذن من شريعته وملته . وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأتِ في شرعنا ما يرده , كما هو مقرر في الأصول , فالختان إذن من شريعتنا وديننا .
ولو لم يكن هناك إلا هذه القاعدة لكفت , فكيف وقد أمر الله عز وجل رسوله باتباع ملة إبراهيم على وجه الخصوص ! .
قال تعالى ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم .
فثبت أن الختان من شريعة النبي , ثم إن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا باتباع هدى نبينا .
فقال عز من قائل : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم
[ الأنفال :34 ] .
وقال تعالى : وإن تطيعوه تهتدوا [ النور :54 ] .
وقال تعالى : وأطيعوا الرسول لعلكم تهتدون [ النور :56 ] .
وقال تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [ الأحزاب :21 ] .
يقول المخالف : هذا كله صحيح , ولكن ليس فيه أمر للنساء , فهو إذن خاص بالذكور فقط ؟ ألا ترى أن إبراهيم كان رجلاً ؟ فيختص الحكم بالذكور فقط ! .
والجواب بعون الملك الوهاب : من ثلاثة أوجه :
• الأول : أن الأوامر القرآنية السابقة التي تأمر المؤمنين باتباع هدى النبي الأمين – عليه أفضل السلام وأتم التسليم – عامة تشمل الذكر والأنثى بالإجماع .
فهو رسول الله إلى الأمة جميعاً رجالاً ونساءً .
• الثاني : أنه ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله قال : " إنما النساء شقائق الرجال " ( ) .
• الثالث : أن الأصل في الأحكام الشرعية استواء الذكر والأنثى فيها إلا إذا دل الدليل على تخصيص أحد النوعين بالحكم المعين فيوقف عنده .
قال الله تعالى : فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض [ آل عمران :195 ] .
وقال تعالى : ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب [ غافر :40 ] .
وقال تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة
[ النحل :97 ] .
فالأنثى تدخل في عموم الأدلة السابقة , ولا تحتاج أصلاً إلى تنصيص كشأنها في بقية الأحكام الشرعية التي جاءت بلفظ " المؤمنين " – مثلاً – ودخلت فيها " المؤمنات " تبعاً .
فكيف وقد جاء الأمر بالختان للنساء تنصيصاً ! كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى فالذي يريد أن يخرج المرأة من عموم الأدلة السابقة هو الذي يطالب بالدليل ! وهيهات ! .
وبالجملة : فكل دليل يستدل به على وجوب ختان الذكر فهو عين دليلنا على وجوب ختان الأنثى ولا فرق .
يقول المخالف : بلى هناك فرق .
فختان الذكر فيه مصلحة للتخلص من الإفرازات التي تحت القلفة وما تسببه من أمراض وكذلك تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة أما الأنثى فلا فائدة فيه من هذه الناحية .
والجواب : من جملة المقصود من ختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة , أما الأنثى فمن جملة المقصود من ختانها تعديل شهوتها فإنها إن كانت قلفاء كانت شديدة الشهوة .
ألا يكفيك هذه الفائدة العظيمة ! .
يقول المخالف : لا نسلم أن الختان كان واجباً على إبراهيم بل ربما فعله استحباباً , ألا ترى أن ابن عباس فسر الكلمات التي امتحن الله بها خليله فذكر منها المسنونات " كفرق الرأس " ومعلوم أنه ليس واجباً إجماعاً وكذلك المضمضة والاستنشاق والسواك . . . فليكن الختان كذلك من جملة المسنونات بدلالة الاقتران ! .

والجواب بعون الملك الوهاب :
أما دلالة الاقتران فضعيفة لا يحتج بها , ولو سلمنا – جدلاً – بأنها مما يحتج به فلا تقوى على معارضة أدلة الوجوب .
ثم إن الخصال المذكورة ؛ الصواب أنها واجبة ! .
فالمضمضة والاستنشاق واجبان , والاستنجاء واجب , وكذلك تقليم الأظافر واجب , فإن الظفر إذا طال بحيث يجتمع تحته من الوسخ ما يمنع حصول الطهارة وجب تقليمه , وكذلك قص الشارب إذا طال ! .
وأما السواك : فلولا أن الدليل أخرجه عن الوجوب لتحتم القول به .
عن أبى هريرة أن رسول الله قال :
" لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء " صحيح ( ) .
وأما فرق الرأس فخرج عن الوجوب بالإجماع الذي حكيتموه ! .
يقول المخالف : مجرد اختتان إبراهيم لا يدل على الوجوب , لأنه مجرد فعل , فأين دليل الوجوب ؟
ونجيب بعون المليك الرقيب :
قال تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [ البقرة :124 ] .
والابتلاء غالباً إنما يكون بفعل ما يكون واجباً , فإن الواجب هو الذي يترتب عليه الثواب والعقاب , والخليل إنما اختتن امتثالاً لأمر ربه , الذي أمره به , وابتلاه به, فوفاه كما أمر , قال تعالى : وإبراهيم الذي وفي مع قوله تعالى : اتبع ملة إبراهيم فإن لم نفعل كما فعل لم نكن متبعين له .
أضف إلى ذلك الألم الشديد مع كبر السن , فهذه قرائن تدل على الوجوب بخلاف المندوب الذي لا يأثم تاركه عمداً فكيف يكون ابتلاءً ! .
فتبين بهذا :
أن اختتان الخليل لم يكن فعلا مجرداً , وإنما هو تنفيذ لأمر وبيان له فيأخذ حكمه وهو الوجوب .
قال ابن عثيمين - رحمه الله تعالى – في منظومة القواعد الفقهية :
وكل فعل للنبي جردا
وإن يكن مبيناً لأمر
عن أمره فغير واجب بدا
فالحكم فيه حكم ذاك الامر

وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .
الدليل الثانـي
قال الله تعالى : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
الختان علم للدخول في ملة إبراهيم , وهذا موافق لتأويل من تأول قوله تعالى صبغة الله على الختان , فالختان للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد لعباد الصليب , فهم يطهرون أولادهم بزعمهم حين يصبغونهم في ماء المعمودية ويقولون : الآن صار نصرانياً , فشرع الله سبحانه للحنفاء صبغة الحنيفية , وجعل ميسمها الختان فقال : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة وقد جعل الله سبحانه علامات لمن يضاف إليه المعلم بها , ولهذا الناس يسمون دوابهم ومواشيهم بأنواع السمات حتى يكون ما يضاف منها لكل إنسان معروفاً بسمته .
فجعل الله سبحانه الختان علماً لمن يضاف إليه وإلى دينه وملته, حتى إذا جهلت حال الإنسان في دينه عرف بسمة الختان .
والمقصود أن صبغة الله هي الحنيفية التي صبغت القلوب بمعرفته ومحبته والإخلاص له وعبادته وحده لا شريك له , وصبغة الأبدان بخصال الفطرة من الختان وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط والمضمضة والاستنشاق والسواك والاستنجاء فظهرت فطرة الله على قلوب الحنفاء وأبدانهم .
قال محمد بن جرير : في قوله تعالى صبغة الله يعنى بالصبغة صبغة الإسلام , وذلك أن النصارى إذا أرادت أن تنصر أطفالها جعلت ذلك في مبالهم , وتزعم أن ذلك يقدس بمنزلة الختان لأهل الإسلام , وأنه صبغة لهم في النصرانية فقال جل ثناؤه لنبيه لما قال اليهود والنصارى كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين إلى قوله صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة أ . هـ . [ التحفة145 ] .
قلت :
وحاجة المرأة إلى هذه الأمور كحاجة الرجل ولا فرق !
الدليل الثالث
قوله تعالي وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
فإن قيل : وهل أمر الرسولe بذلك ؟
فالجواب : نعم ! وهذا يجعلنا ندلف إلي أدلة السنة المطهرة علي فرضية ختان الإناث:

ثانيا : الأدلة من السنة النبوية المطهرة
الدليـل الأول
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : عن أبى هريرة قال : قال رسول الله :
" الفطرة خمس : الختان , والاستحداد , وقص الشارب , وتقليم الأظافر , ونتف الإبط " ( ) .
فتأمل كيف جعل رأس خصال الفطرة الختان ! .
والفطرة – كما مر بنا من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى – فطرتان :
فطرة تتعلق بالقلب , وفطرة تتعلق بالبدن , وكل منهما تمد الأخرى وتقويها وتغذيها , ورأس فطرة البدن الختان .
قلت : وهذه الأحكام الخمسة كلها يشترك فيها الذكر والأنثى إلا قص الشارب فإنه خرج بقرينة حسية ؛ إذ الشارب مما يختص به الرجل دون المرأة ! .
وجه الدلالة
دلالة الحديث على الوجوب واجبة إذ لم يرخص أن تترك هذه الأشياء أكثر من أربعين ليلة فقد روى مسلم في صحيحه عن أنس قال : " وقّت رسول الله في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألا تترك أكثر من أربعين ليلة " ( ) .
وهذا يدل على أنها عظيمة بعد ذلك ! والله تعالى أعلم .
قال المخالف : ليس في حديث أنس ذكر " الختان " فأنى يستقيم لكم الاستدلال على أنه واجب ؟
الجواب بعون الملك الوهاب :
نعم ! ليس في حديث أنس ذكر الختان , لكن لو تأملت الحديث الأول حديث أبي هريرة " الفطرة خمس " ثم نظرت في حديث , أنس وقارنت بينهما , ظهر لك الدليل ! .
قال المخالف : وكيف ذلك ؟ .
الجواب : تبصر بما أقول , وتأمل بقلبك , لتدرك الحق .
لو نظرت إلى خصال الفطرة الأربعة في حديث أبى هريرة – بعد الختان – وهي " الاستحداد, وقص الشارب , وتقليم الأظافر , ونتف الإبط " لوجدت حكمها في حديث أنس الوجوب , حيث لم يرخص في تركها أكثر من أربعين ليلة . فإذا كان حكمها الوجوب , فالختان من باب أولى لأنه رأسها والمقدم عليها . فإنه من المعلوم أن التقديم في الذكر يدل على الأهمية والاعتناء , فكيف يقدم المندوب على الواجب , وقد قال فيما يرويه عن ربه عز وجل : " وما تقرب إلىّ عبدي بشيء أحب إلىّ مما افترضته عليه " .
قال المخالف : إذا كان الختان أهم وأوجب فلماذا لم يذكر في حديث أنس؟ .
الجواب : السبب في ذلك واضح ! .
ألا وهو أن هذه المذكورات " قص الشارب , وتقليم الأظافر, والاستحداد , ونتف الإبط " تتجدد, فناسبها التوقيت بالأربعين ليلة , بخلاف الختان فهو مرة واحدة في العمر , فلذا لم يذكر في هذا الموضع . والله أعلم .
قال أبو بكر بن العربي :
عندي أن الخصال الخمسة المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة , فإن المرء لو تركها لم تبق صورته في صورة الآدميين , فكيف من جملة المسلمين ! .
وكلمة " الفطرة " : قيل : هي السنة , وعليه فلا يدل ذلك على الوجوب أو عدمه , لأن السنة هي الطريقة , وهي تشمل الواجب والمستحب , فيطلب دليل الوجوب من غيره .
وقيل : هي الدين , والأصل فيما أضيف إلى الشيء أنه منه أن يكون من أركانه لا من زوائده , حتى يقوم دليل على خلافه . وعلى هذا فالفطرة تدل على الوجوب ! .
ثم إننا لو سلمنا جدلاً بأن المذكورات مع الختان من جملة المستحبات لصارف صرفها من الوجوب إلى الندب فيبقى " الختان " على أصل الوجوب إذ لا صارف له .
ولا مانع من جمع المختلفي الحكم بلفظ أمر واحدٍ .
راجع الفتح [ 10/341 ] .

الدليـل الثاني
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبى هريرة قال : قال رسول الله : " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " ( ) .
قال الإمام أحمد : وفي هذا دليل على أن النساء كن يختن .
يقول المخالف : إنما أطلق الختانين على " ختان الذكر وفرج الأنثى " من باب التغليب , كما نقول ( القمران ) : أي الشمس والقمر, و ( العمران ) : أي أبو بكر وعمر . . وهكذا . فليس فيه دليل على ختان المرأة ! .
الجواب بعون الملك الوهاب :
الحمل على التغليب مجاز , وعند العلماء مقرر : أن اللفظ يحمل على حقيقته إلا إذا تعذرت , أو وجدت قرينة تصرف اللفظ من الحقيقة إلى المجاز , فكيف والقرينة هنا تؤكد حمل اللفظ على حقيقته وهو " ختان الذكر وختان الأنثى " .
بل جاء ذلك صريحاً في صحيح مسلم قال رسول الله :
" إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل " ( ) ! فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟
يقول المخالف : سلمنا أن الختانين على حقيقتيهما وأنه يشمل ختان الذكر وختان الأنثى , ولكن أين الدليل على الوجوب ؟
الجواب بعون الملك الوهاب :
نعم ! هذا الحديث لا يستفاد منه الوجوب, بل الوجوب يستفاد من أدلة أخرى سيأتي تقريرها إن شاء الله تعالى .
ولكنه على كل حال يفيد مشروعية ختان المرأة وأنه كان معروفاً على عهد النبي , كما قال الإمام أحمد رحمه الله , بخلاف قول الذين لا يرجون لله وقاراً , الذين قالوا بمنعه جملة وتحريمه أصلاً وعكسوا الدليل ونكسوا على رؤوسهم ورغبوا عن هدى نبيهم .
ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً * أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم .
الدليـل الثالـث
عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء النبي فقال : قد أسلمت . فقال له النبي : " ألق عنك شعر الكفر واختتن " ( ) حسن .
قال الألباني – رحمه الله – في الإرواء ( رقم 79 ) : حسن , . . وله شاهدان أحدهما : عن قتادة عن أبى هشام , والآخر : عن واثلة بن الأسقع , وقد تكلمت عليهما وبينت احتجاج شيخ الإسلام ابن تيمية بالحديث في صحيح أبى داود رقم (383) أ . هـ .
وجه الدلالة من الحديث
أن الأمر للواحد أمر لجميع الأمة , والأمر للرجال يدخل فيه النساء تبعاً إلا ما خصه الدليل , كما هو مقرر في الأصول .
قال المخالف : قد أسلم الناس : الأسود والأبيض والرومي والفارسي والحبشي فما فتش أحداً منهم ! .
والجواب : أنهم استغنوا عن التفتيش بما كانوا عليه من الختان , فإن العرب قاطبة كانوا يختتنون . كما في حديث هرقل الطويل وفيه : " فبينما هم على أمرهم أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله , فلما استخبره هرقل قال : " اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا ؟ " فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن , وسأله عن العرب فقال هم يختتنون . فقال هرقل : " هذا مُلك هذه الأمة قد ظهر " ......... الحديث . ( رواه البخاري حديث رقم 7 ) .
وقد علم كل من دخل الإسلام منهم ومن غيرهم أن شعار الإسلام الختان , فكانوا يبادرون إليه بعد إسلامهم كما يبادرون إلى الغسل .
فعدم النقل عن الكافة لا يستلزم نقل العدم عنهم , بل يكفي في ذلك النقل عن البعض , وبه تقوم الحجة .

الدلـيل الرابـع
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله لأم عطية :
" إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى للزوج " ( ) صحيح .
والمعنى : اتركي الموضع أشم , والأشم المرتفع .
قال المناوي في فيض القدير [ 1/216 ] : " يعنى أحسن لجماعها وأحب للزوج وأشهى له , لأن الخافضة إذا استأصلت ضعفت شهوة المرأة , فكرهت الجماع , فقلت حظوتها عند خليلها , كما أنها إذا تركتها بحالها فلم تأخذ منها شيئاً بقيت غلمتها فقد لا تكتفي بجماع زوجها فتقع في الزنا , فأخذ بعضها تعديل للشهوة والخلقة " أ . هـ .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [ 5/172 ] :
رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن .
قال الألباني في الصحيحة [ 2/353 ] :
للحديث طريق أخرى عن أنس أخرجه أبو نعيم في أخبار أصفهان [ 1/245 ] : كانت ختانة بالمدينة يقال لها أم أيمن فقال لها النبي فذكره .
وله شاهد من حديث على قال كانت خفاضة بالمدينة , فأرسل إليها رسول الله : فذكره أخرجه الطيب [ 12/291 ] .
وله شاهد آخر عن الضحاك بن قيس قال : كانت أم عطية خافضة في المدينة فقال لها النبي : فذكره أخرجه ابن عساكر [ 8/608/1 ] .
وعند أبى داود (5271) :
عن أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت تختن في المدينة فقال لها النبي : فذكره .
ثم قال : ثم وجدت للكوفي متابعاً أخرجه الحاكم [ 3/525 ] ووجدت له شاهداً آخر يرويه مندل بن على عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال : " دخل على النبي نسوة من الأنصار فقال : " يا نساء الأنصار اخضبن غمساً, واخفضن ولا تنهكن فإنه أحظى عند أزواجكن , وإياكن وكفر المنعمين " أخرجه البزار (175) .
ثم قال الألباني رحمه الله تعالى :
قلت : وبالجملة فالحديث بهذه الطرق والشواهد صحيح والله أعلم أ . هـ .
قال المخالف : لو سلمنا أمام هذه الطرق والشواهد بصحة الحديث , ولكن أين الدليل فيه على وجوب ختان الإناث وقد جاء بلفظ ( إذا ) وهي تفيد الشك والاحتمال ؟ ! .
والجواب بعون الملك الوهاب :
اعتقاد أن كلمة ( إذا ) تفيد الشك والاحتمال خطأ محض , والصواب أنها تفيد تحقق الوجوب كما قرره الشوكاني – رحمه الله – قال تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح . . . السورة فهذا يؤكد ويحقق مجيء نصر الله والفتح , وقد كان .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في الاختيارات, باب صلاة الجمعة :
كلمة ( إذا ) إنما تقولها العرب فيما لابد من وقوعه, لا فيما يحتمل الوقوع وعدمه, لأن ( إذا ) ظرف لما يستقبل من الزمان يتضمن معنى الشرط غالباً, والظرف للفعل لابد أن يشتمل على الفعل وإلا لم يكن ظرفا أ . هـ .
وجـه الدلالـة
يستدل على وجوب ختان الإناث من هذا الحديث من وجهين :
[ 1 ] صيغة الأمر , والأصل فيه الوجوب , إلا إذا وجد صارف وليس هاهنا ثمة صارف فيبقى الأمر مفيداً للوجوب .
قال في " مراقي السعود " :
وافعل لدى الأكثر للوجوبِ
وقيل للندب أو المطلوبِ

وقال العمريطي في " متن نظم الورقات " : باب الأمر
بصيغة افعل فالوجوب حققا
حيث القرينة انتفت وأطلقا

وقال العثيمين رحمه الله تعالى في " منظومة القواعد الفقهية " :
والأصل أن الأمر والنهي حٌتِم
إلا إذا الندب أو الكره عٌلِم

[ 2 ] والوجه الثاني : وهو استخدام كلمة ( إذا ) التي تدل على تحقيق الوقوع ولزومه , ولو لم يكن ختان الإناث واجباً لقال لها :
" إن خفضت " ! ولكنه قال " إذا خفضت " .
فكأنه قال : الخفاض أمر لابد من وقوعه فإذا وقع بواسطتك فاجعلي الموضع أشم – أي مرتفعاً – ولا تبالغي في الاستئصال . والله أعلم .
قال المخالف : إن الأمر هنا للخاتنة وليس للمختونة فكيف يستدل به على وجوب الختان؟ .
الجواب : الأمر سواء كان للخاتنة أم المختونة فهو يفيد الوجوب , وأحدهما يستلزم الآخر حتماً , فالحديث حجة عليكم بكل حال ! . والله أعلم .
دعوا كل قول عند قول محمد
فما آمنٌ في دينِهِ كمخاطرِ

قال المخالف : كيف يكون ختان الإناث واجباً وقد قال رسول الله " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " ؟ .
الجواب بحول الله الوهاب : احذر يا أخي أن تنسب إلى النبي ما لم يقل .
لقد صح عنه : " من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار .
وقوله : " من حدث عنى بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " ! .
وأما ما ذكرته " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " فهو حديث ضعيف يروى عن ابن عباس بإسناد ضعيف وفيه الحجاج بن أرطأة وهو ممن لا يحتج به .
ولو صح – جدلاً – لما كان فيه دليل أصلاً , فإن المكرمة لا تنافي الوجوب , بل إن جميع الواجبات من المكرمات ! ولو صح فهو حجة على ( اللقطاء ) الذين يمنعون الختان ويحرمونه على المرأة ثم يتبجحون بهذا الحديث الضعيف .
فهلا أكرموا نساءهم !
* * *
قال المخالف : إن بنات النبي لم يكنَّ مختتنات ! !
الجواب : لقد أضحكت بعد استعبار !
فمن أين أتيت بهذا الهراء والكذب والافتراء؟ .
ألم تعلم أن العرب كانوا يختنون بناتهم – قبل الإسلام – بل ويمتدحون بذلك , ويذمون الرجل الذي لم تختتن أمه , وهذا أمر مشهور بينهم , فإذا أراد سبه قال يا ابن القلفاء ! .
وهذا حمزة يقول لأحد المشركين في غزوة أحد : " هلم إلى يا ابن مقطعة البظور " ! .
فهل كانت بنات أبى جهل مختتنات , وبنات خير البرية قلفاوات ؟ ! .
سبحانك هذا بهتان عظيم .
ونقول أيضاً : سمعناك مراراً وتكراراً تزعم أن الختان عادة جاهلية , فلو سلمنا لك جدلاً بذلك لكان أقوى دليل على ختان بنات الأمين فإنه من المعلوم أنهن جميعاً ولدن قبل البعثة والرسالة , وعلى ذلك يلزمكم أحد أمرين :
• الأول : أن الرسول خالف عادة قومه جميعاً فلم يختن بناته دوناً عنهم, فيلزمكم على هذا أن تأتوا بالدليل ! .
• الثاني : أنهن خُتنَّ على عادة قومهن ، وبذلك يسقط قولكم !
وهذا الجري على العادة لا يحتاج إلى نقل لكلّ من اختتنت في ذلك الوقت كما هو واضح
والحمد لله رب العالمين

ثالثاً : ختان الإناث عند السلف الصالح
قال الألباني – رحمه الله تعالى – في الصحيحة [ 2/357 ] :
..... واعلم أن ختن النساء كان معروفاً عند السلف خلافاً لما يظنه من لا علم عنده , فإليك بعض الآثار في ذلك :
1- عن الحسن قال :
" دعي عثمان بن أبى العاص إلى طعامه , فقيل : هل تدرى ما هذا ؟ هذا ختان جارية ! فقال : هذا شئ ما كنا نراه على عهد رسول الله فأبى أن يأكل " .
[ قلت – القائل محمود – يشير إلى التستر به وعدم إعلانه بالطعام ونحوه ]
أخرجه الطبراني في الكبير [ 3/7/2 ]
2- عن أم المهاجر قالت :
سبيت وجواري من الروم , فعرض علينا عثمان الإسلام , فلم يسلم منا غيري وغير أخرى فقال :
" اخفضوهما وطهروهما " أخرجه البخاري في الأدب المفرد(1254)
3- عن أم علقمة :
أن بنات أختي عائشة ختن , فقيل لعائشة ألا ندعو لهن من يليهن ؟ قالت : بلى , فأرسلت إلى عدى فأتاهن , فمرت عائشة في البيت , فرأته يتغنى , ويحرك رأسه طرباً , فقالت : أف , شيطان , أخرجوه أخرجوه " .
وثمة آثار أخرى ذكرها ابن القيم – رحمه الله – وغيره ومنها :
4- ذكر حرب في مسائله عن ميمونة زوج النبي , أنها قالت للخاتنة : إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه , وأحظى لها عند زوجها .
5- وعن عمر أنه قال للخاتنة :
أبقى منه شيئاً إذا خفضت .
6- ومنها :
أنهم كانوا يعيرون بتركه فيقول أحدهم لمن أراد عيبه : يا ابن القلفاء ! أي التي لم تختن , إشارة إلى تطلعها للرجال , وشدة غلمتها , وقلة عفتها ! .
قال شيخ الإسلام : ولهذا يقال في المشاتمة : يا ابن القلفاء ! .
فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر والإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين . أ . هـ . الفتاوى [ 21/114 ]
7- قال أسد الله حمزة بن عبد المطلب لسباع بن عبد العزى وقد تقدم نحوه في غزوة أحد : " هلم إلىَّ يا ابن مقطعة البظور " وكانت أمه ختانة ( ) .
فهذا يدل على أن نساء العرب آنذاك كن يختن , وهذا مما توارثوه من ملة إبراهيم يؤيده :
7- أن العرب كانت تدعى أمة الختان , ففي حديث هرقل قال : " إني أجد ملك الختان قد ظهر " وفي آخره : " هذا ملك هذه الأمة " ( ) .
والأمة تشمل الرجال والنساء ! .
8- وقد ذكر في حكمة خفض النساء :
أن سارة لما وهبت هاجر لإبراهيم أصابها فحملت منه فغارت سارة فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء, فخاف إبراهيم أن تجدع أنفها وتقطع أذنيها, فأمرها بثقب أذنيها وختانها وصار ذلك سنة في النساء بعد .
قال ابن القيم رحمه الله :
ولا ينكر هذا كما كان مبدأ السعي – سعى هاجر بين الجبلين تبتغى لابنها القوت - , وكما كان مبدأ الجمار – حصب إسماعيل للشيطان لما ذهب مع أبيه .
فشرع الله سبحانه لعباده , تذكرةً وإحياءً لسنة خليله وإقامة لذكره , وإعطاءً لعبوديته, والله أعلم .
قلت : وهذا لا ينفي الوجوب كما هو واضح .
9- سئل زيد بن أسلم عن خفض الجارية إلى متى يؤخر؟ .
قال رحمه الله : إلى ثمان سنين . شرح السنة للبغوى [ 12/11 ]

رابعاً : النظـر الصحيـح
[ 1 ] من المقرر عند العلماء : أنه لا يجوز كشف العورة لغير ضرورة أو مصلحة راجحة, وعلى ذلك فلو لم يكن ختان الأنثى واجباً لما جاز أصلاً , فإن المحرم لا يستباح إلا لضرورة , وكذلك نظر الخاتنة إلى عورة المختونة ولمسها لما كان ذلك جائزاً علمنا أن الختان واجب وإلا فكيف تستباح هذه المحرمات الثلاثة – كشف العورة والنظر إليها ولمسها – لما هو مندوب فقط ؟؟
قال ابن حجر : " كل ما منع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل دالاً بعينه على الوجوب كالختان " اهـ . الفتح [ 9/396 ]
يقول المخالف : قد جاز كشف العورة في المداواة , وهي غير واجبة , فكذلك هنا !
والجواب : لا نسلم بعدم وجوب المداواة لقوله " تداووا " هذا أولاً .
ثانياً : إذا سلمنا جدلاً أن المداواة غير واجبة ومع ذلك جاز كشف العورة لأجلها , فلا يكفي هذا في رد أدلة الوجوب الكثيرة السابقة .
ثالثاً : لو لم تكن مصلحة كشف العورة للختان أرجح من مفسدة كشفها والنظر إليها ولمسها لم يجز ارتكاب ثلاثة مفاسد عظيمة لأمر مندوب يجوز فعله ويجوز تركه , فلو كان الختان من باب المندوبات لكان بمنزلة كشفها لما لا تدعو الحاجة إليه وهذا لا يجوز . قاله ابن القيم رحمه الله .
[ 2 ] وأيضاً ما يحصل فيه من إيلام, وقطع لعضو من معصوم وهذا مما يؤيد القول بالوجوب .
فإن أعضاء المسلم وظهره ودمه حرام إلا من حد أو حق وكلاهما يتعين إقامته, ولا يجوز تعطيله :
كقطع يد السارق ( في الحد ) , وكالختان ( في الحق ) .
[ 3 ] الختان عَلَم الحنفية وشعار الإسلام , ورأس الفطرة , وعنوان الملة فكيف نرضى بشعار القلف والقلفاوات , من غير المسلمين !
قال هشام بن العاص , في موقعة أجنادين : " يا معشر المسلمين إن هؤلاء القلف لا صبر لهم على السيف " !
فقارن بين من يفخر بشعار ملته , وبين المخذول الذي يتبرأ من رأس فطرته !
حتى لقد أذَّن عالِمُ أهلِ البيت " ابنُ عباس " أذاناً سمعه الخاص والعام : أن من لم يختتن لا صلاة له , ولا تؤكل ذبيحته !
فانظر كيف أخرجه من جملة الإسلام , ومثل هذا لا يقال لتارك أمر هو بين فعله وتركه بالخيار , وإنما يقال لما علم وجوبه علماً يقرب من الاضطرار , وهذا يشمل النوعين – الذكر والأنثى – إذ الكل محتاج إلى هذا الشعار, ليخالف شعار أهل النار !
وقد قال العزيز الجبار : لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة .
يقول المخالف : الشعائر منقسمة إلى واجب : كالصلوات الخمس , ومستحب : كالتلبية , ومختلف فيه : كالأذان والختان .
فمن أين لكم أن هذا من قسم الشعائر الواجبة ؟
الجواب : الأمر كما قلت , ولكن !
مثل هذا الشعار العظيم الفارق بين عباد الصليب وعباد الرحمن , والذي جعل المسلمين لا يكادون يعدون الأقلف منهم , لا يكون إلا من أعظم الواجبات .
قال المخالف : فاليهود يختتنون فهلا تركتم الختان ليحصل التفريق بينكم وبينهم أيضا ؟
الجواب : إن الذي يضع الشعائر ويشرعها هو رب العالمين , وقد جعل الختان هو شعار الحنفاء وابتلى به إمامهم الخليل فإذا ثبت هذا فليس لنا أن ندع حقاً لباطل فإن الختان من ملة إبراهيم وتوارثته ذريته ومنهم بنو إسماعيل وهم العرب , وبنو إسرائيل وهم اليهود, والنصارى تقر بذلك وتعترف بأنه من أحكام الإنجيل ولكن اتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل .
وهم فرقتان : فرقة تختن , وفرقة لا تختن .
وكل ذلك لا يعكر على شريعتنا , ولا ينفي أن يكون الختان هو شعار الحنفاء في الأصل تبعا لإمامهم خليل الرحمن إبراهيم .

خامساً : الختـان والطب
بدايةَ . .
فإن الحكم الشرعي للختان إنما يقرره علماء الإسلام من خلال النظر في أدلة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بضوابط الاستنباط المعتبرة في الشريعة الإسلامية .
فليس للطبيب أن يفتى ويقول : هذا حلال وهذا حرام !
فإن ذلك ليس من اختصاصه , كما أن الفقيه ليس له أن يجرى – مثلاً – عملية جراحية أو يمارس ما ليس من اختصاصه , قال الله تعالى :
فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
وكل فن له أهله المختصون به , ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب !
إن النظر في فوائد الختان الطبية التي أماط عنها اللثام العلم الحديث مما يزيد المؤمن إيماناً ويقيناً كما قال إبراهيم : بلى ولكن ليطمئن قلبي !
وقال تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ومن هذه الفوائد :
1- اجتناب خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم حيث إن السبب الرئيس له – بعد الزنا – هو ترك ختان المرأة , وكذلك إذا كان زوجها غير مختون . كما صرح بذلك المختصون " ولقد دلت الإحصاءات على أن سرطان الرحم عند زوجات المسلمين أقل بكثير جداً من نسبتها عند زوجات غير المختونين " .
2- ترك الختان يؤدى إلى الأمراض الخطيرة : كالزهري والسيلان فضلاً عن الالتهابات المهبلية ونحوها .
3- ترك الختان من أسباب العقم , لا سيما مع الملابس الضيقة مما يؤدى للاحتكاك المستمر بهذه الملابس . الأمر الذي يؤدى إلى العقم عياذاً بالله ! لاسيما مع كثرة أسباب الإثارة والفتنة والإغراء وإلهاب الغرائز عن طريق الفضائيات والشاشات التي تعرض البغاء والزنا صراحة " وإلى الله المشتكى " .
فيا شديد الطول والإنعامِ
إليك نشكو محنة الإسلامِ

4- إطالة مدة الجماع , إذ أن طرف العضو المختون يحتاج إلى وقت أطول من العضو غير المختون ليبلغ ذروة التهيج .
5- تجنب الإصابة بسلس البول الليلي , الذي يصيب كثيراً من الأطفال في فراشهم بسبب انعكاس عصبي مصدره القلفة المتحرشة .
6- الختان يخفف خطر الوقوع في العادة السرية !
7- بقطع القلفة يتخلص من المفرزات الدهنية والسيلان الشحمي المقزز للنفس والذي يحول دون إمكان حدوث التفسخ والأنتان .
8- ترك الختان يؤدى إلى كثرة حالات الزنا والفجور والشذوذ الجنسي , بسبب وفارة القلفة , وهو من أكبر ما يدعـو النسـاء إلـى السحاق – الشذوذ – هو توفر تلك القلفة !

سادساً : الختـان وحقوق الإنسان
من البديهيات أن كل صانع أدرى بما يصلح صنعته, والإنسان صنيعة الرحمن –سبحانه وتعالى– قد شرع له كل ما يصلحه في الدنيا والآخرة ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ؟!
ومن حق هذا الخالق العظيم أن يأمر هذا المخلوق بما يشاء ألا له الخلق وله الأمر .
وأوامر الله سبحانه وتعالى , لا تخلو من المصالح والحكم , وإن قصرت العقول عن إدراكها , ولكن مع التسليم المطلق لله رب العالمين تحصل النجاة .
قالوا : إن الذبح على طريقة المسلمين فيه وحشية وقسوة ! فكان ماذا ؟
ابتلاهم الله عز وجل بجنون البقر, ليخرجوا من معاملهم قائلين : إن الذبح على الطريقة الإسلامية هو المخرج الوحيد !
قالوا : الزنا حرية شخصية والاختلاط تحضر !
فكان ماذا !
ابتلاهم الله سبحانه بالإيدز والطواعين التي لم تكن قبل ذلك !
وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً !
واليوم يقولون : الختان اعتداء على كرامة المرأة , وجناية على حقوق الإنسان , وظلم ووحشية وقسوة و . . . . . و . . . . . و . . . .
فسلط الله عليهم هذه الأوبئة الفتاكة : كسرطان عنق الرحم والزهري والسيلان . . . والبقية تأتى !
وقل الحمد لله سيريكم آيته فتعرفونها* وما ربك بغافلٍ عما تعملون . [ النمل : 93 ] .

سابعاً : الختـان من محاسن الشريعة الإسلامية
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" هذا مع ما في الختان من الطهارة والنظافة والتزيين وتحسين الخلقة , وتعديل الشهوة , التي إن أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات , وإن عدمت بالكلية ألحقته بالجمادات .
فالختان يعدلها ويهذبها, ولهذا نجد الأقلف من الرجال , والقلفاء من النساء لا يشبع من الجماع !
وأي زينة أحسن من أخذ ما طال وجاوز الحد من جلدة القلفة وشعر العانة والإبط والشارب , وما طال من الظفر فإن الشيطان يختبئ تحت هذا كله ويألفه ويقطن فيه , حتى ينفخ في إحليل الأقلف وفرج القلفاء ما لا ينفخ في المختون .
فالغرلة أقبح في موضعها من الظفر الطويل والشارب الطويل , والعانة الفاحشة الطول .
ولا يخفي على ذي الحس السليم قبح الغرلة , وما في إزالتها من التحسين والتنظيف والتزيين , هذا مع ما فيه من بهاء الوجه وضيائه . بخلاف القلفاء فتكون مصفرة الوجه شاحبة اللون من شدة الشهوة " إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى لها عند زوجها " .
ومعنى هذا أن الخافضة إذا استأصلت جلدة الختان ضعفت شهوة المرأة , فقلَّت حظوتها عند زوجها .
كما أنها إذا تركتها كما هي فلم تأخذ منه شيئاً ازدادت غلمتها , فإذا أخذت منها وأبقت – كما أمر النبي - كان ذلك تعديلاً للخلقة والشهوة . أ . هـ
وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً
فالختان من محاسن الشريعة الإسلامية التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده , فهو مكمل للفطرة التي فطرهم عليها .
ورحم الله القائل :
الدين جاء لسعادة البشر
فكل أمر نافع قد شرعه
ولانتفاء الشر عنهم والضرر
وكل ما يضرنا قد منعه

ويا لله العجب , من أناس ينادون بترك ختان الإناث وهم من بنى جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا في الوقت الذي ينادى فيه الغرب بختان الإناث فراراً من جحيم الاختلاط والزنا ! والسعار الجنسي الذي جر عليهم هذا البلاء المستطير !
نشرت جريدة الأهرام القاهرية بتاريخ 27/4/1976م :
" بدأت أمريكا تتجه إلى ختان الأطفال بعد ولادتهم بمدة 12-14 ساعة " .
وصدق الله العظيم حيث يقول :
ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلاً .
* * *
الاعتـدال في ختـان النسـاء
ربما كان الحامل لبعض الناس علي منع ختان البنات أن البعض يجريه بطريقة غير شرعية , حيث يقومون باستئصال الجلدة كلها , وهذا حرام في دين الله , وفعل ما أنزل الله به من سلطان , ألم يقل رسول الله : " أشمي ولا تنهكي " !!.
فهذا العمل خروج عن هدى النبي في ختان الأنثى , وعواقبه وخيمة , ويحرم الرجل والمرأة من اللذة والمتعة الحلال , ويؤدى - أحيانا – إلى شرب المسكرات والمخدرات , وإلى مفاسد كثيرة ، فقد تؤدى إلى الطلاق, بسبب البرودة الجنسية الناتجة عن هذا العمل الجائر !
لكن ! هل لأن البعض أساء في التطبيق , نوقف العمل بسنن النبي المعصوم ؟
هل أخطاء البشر تنسب إلي الشرع المطهر الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟
إن هذا ليس من الحق في شيء , ولكن منطق الصواب أن يقال :
إن خير الأمور الوسط , لا نترك ختان النساء , ولا نبالـغ في الاستئـصال .

ثامناً : الختان ومخططات الأعداء
إن ما يحدث اليوم على الساحة ما هو إلا صفحة من صفحات الصراع بين الحق والباطل, وجولة من جولات هذه المعركة الطاحنة والعاقبة للمتقين .
قـال تعـالى : كتب الله لأغلـبن أنـا ورسـلي إن الله قـوى عزيـز [ المجادلة :21 ] .
فتأمل هذه الآيات لتعرف أطراف المعركة ونتيجة الصراع .
ومع من أنت !
قال تعالى : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة * والله يعلم وأنتم لا تعلمون [ النور :19 ] .
وقال تعالى : ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً [ النساء : 27-28 ] .
وقال تعالى : إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق [ البروج : 10 ] .
عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله " فاتقوا الدنيا واتقوا النساء , فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النسـاء " ( ) .
وعن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله : " وما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء " ( ) .

عاشـراً . . وصيـة وختـام
مما سبق يتضح بما لا يدع مجالاً للشك – إن شاء الله تعالى – أن ختان الإناث فرض واجب كختان الذكور تماماً وأنه حق من حقوق البنت على أبويها , والتفريط فيه جناية عليها جناية شرعية وأخلاقية وصحية , وتعريض لها للانحراف والفساد في زمن عمت فيه الرذيلة , وضاعت فيه الفضيلة يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [ التحريم :6 ] .
يا أيهـا الذين آمنـوا لا تخونـوا الله والرسـول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمـون* واعلمـوا أنما أموالكـم وأولادكـم فتنـة* وأن الله عنـده أجر عظيـم [ الأنفال :27-28 ] .
وما كان لؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً [ الأحزاب :36 ] .
وسبحانك اللهم وبحمدك, نشهد ألا إله إلا أنت, نستغفرك ونتوب إليك
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
........
وكتبه أبو طارق/ محمود محفوظ
وكان الفراغ منه ليلة الأحد 3 من ذي الحجة 1425هـ


ختان الإناث فريضة ( http://cutt.us/pmMIp)
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق